Admin Admin
عدد الرسائل : 137 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 08/03/2007
| موضوع: كيف نعالج ضغوط الحياة ؟؟ الجمعة مارس 16, 2007 6:03 pm | |
| كيف نعالج ضغوط الحياة ؟؟ 1 ـ ضغوط الأسرة : فلكلّ أسرة نظامها الحـياتي ، ولكلّ عائلة برنامجها وقيودها والتزاماتها ، وهي تؤثر ـ بلا أدنى شك ـ على قرارات الشاب أو الفتاة اللذين يجدان في أحيان كثيرة أنّ عليهما أن يمتثلا لتلك الضوابط والقيود ، مما يشكّل ضغطاً على بعض حرّيتهما ، وبعض قراراتهما ، وبعض اختياراتهما . ولا بدّ من التنبيه ، أنّ ضغوط الأسرة ليست كلّها سلبية ، ففيها أيضاً الإيجابيّ الذي يصبّ في مصلحة الشاب أو الفتاة ، والنابع من الحبّ والشفقة والحرص عليهما ، والتقدير لحداثة عهدهما بالتجربة . فمن الضغوط البيتية التي يواجهها بعض الشبان والفتيات ، ضغوط تمارس عليهم في اختيار الفرع الدراسي الذي يريدون الدخول فيه . ومع أنّ هذه المشكلة راحت تتقلّص في الكثير من الأسر ـ نتيجة الوعي الثقافي والاجتماعي المتزايد ـ لكنّها ما زالت في أخرى قائمة إلى اليوم ، وقد تحدث في بيوت وأسر يتمتع فيها الوالدان بمستوى ثقافي جيِّد . فالشاب يرغب في كلّية الآداب والأب يطالبه بكلّية الطبّ ، والفتاة ترغب بالتعليم وأمّها تضغط عليها بالهندسة ، وهكذا . ولم يلتفت بعض هؤلاء الآباء والأمّهات إلى حقيقة واقعة ، وهي أنّ عدداً لا يستهان به من المستجيبين لضغوط الأهل في هذا الجانب ، فشلوا في اختصاصاتهم أو فروعهم التي دخلوها رغماً عنهم ، أو لم يكونوا ـ في الأقلّ ـ من المبدعين المتفوقين فيها . ولذا ، فلا بدّ من حوار عقلانيّ هادئ يخوضه الأبناء مع أسرهم وإقناعهم برغباتهم هم ، وأنّ الإملاءات لا تؤدي إلى نتائج طيّبة . وإذا كان الشاب أو الفتاة على قناعة تامّة بما يريدان ، فإنّهما سوف ينجحان في إقناع والديهما في رغبتهما الشديدة بهذا الفرع التخصصي أو ذاك . أمّا إذا كانت القناعة ناقصة أو مهزوزة ، أو لم يكن الشاب أو الفتاة يعلمان ماذا يريدان بالضبط ، فإنّ قناعة الأبوين هي التي تفرض نفسها في مثل هذه الحالات . وقد يرتئي الشاب أو الفتاة الحاجة إلى وساطة آخرين مؤثرين لاقناع الأهل بالتراجع عن ضغوطاتهم السلبية ، كأن يقوم العم أو الخال أو صديق مخلص للعائلة في التفاهم مع الأبوين في المشروع الدراسي ، وأ نّهم قد يكسبون طبيباً لا يشكل سوى رقم عادي في قائمة الأطباء الطويلة العريضة ، لكنهم يخسرون أديباً بارعاً قد يفوق الأقران في أدبه . ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الضغط عادة لا يكون علمياً بل هو ماديّ بحت ، أي ليست الغاية هي أن نحصل على طبيب يداوي الناس ويعالج أمراضهم ويسكِّن آلامهم ، بل على مهنة تدرّ مالاً أكثر وربّما أوفر ، الأمر الذي يتطلب ثقافة أعمق في تقدير الإبداع والموهبة والميل النفسي لهذا الاختصاص أو ذاك . ولا يخفى أنّ الأبوين اللذين يمارسان الضغط باتجاه معيّن ، يقعان هما أيضاً تحت ضغط آخر ، وهو ضغط الثقافة الاجتماعية العامّة التي تقوم على تفضيل الطب والهندسة على ما سواهما من مهن أو حرف . ومن الضغوط الأسريّة ، التدخل في مسألة الزواج واختيار زوج أو زوجة المستقبل ، حتى مع عدم قناعة هذه أو ذاك باختيار الأهل . وقد لا يكون الضغط بالغ الشدّة ، لكنّ مجرد شعور بعض الأبناء والبنات أنّ الأب أو الأم أو كليهما غير راضيين عن اختيارهما ، قد يجعلهما تحت ضغط نفسي ربّما يدفعهما إلى التنازل عن قرارهما واختيارهما ، والنزول عند رغبة والديهما . أمّا في حالات العناد والإصرار على الزواج ببنت العم ، أو الخال ، أو زواج الفتاة بابن عمّها أو ابن خالها ، فإنّ الضغوط قد تصل إلى درجة براءة الذمّة أو المقاطعة ، أو خلق المشاكل والمتاعب ، مما يجعل من مشروع يفترض له أن يكون سعيداً ، وهو مشروع الزواج ، غصّة في قلب الشاب أو الفتاة . ولقد كان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مقدّراً لخطورة هذا الضغط على حياة الشباب ، عندما جاءه شاب ، وقال له : أبواي يريدان تزويجي ممّن لا أهوى ، وإنِّي لأرغب بالزواج من فتاة أخرى أهواها ، فقال له الإمام (عليه السلام) : «خذ ما هويت واترك هوى الوالدين» . فالنظرة هنا في المدى البعيد ، فقد أرضي والديّ في بداية الزواج لأنني استجبت لضغطهما في الزواج بمن يريدان ، لكنني سوف أغضب نفسي في حياتي الزوجية التي ربّما تنتهي إلى الطلاق في حال عدم الانسجام والتوافق . وترخيص الإمام (عليه السلام) باختيار الشاب الفتاة التي يُحبّ ، وترك اختيار الوالدين يدلِّل أنّ ذلك ليس معصية لهما ، وإنّما رفض لضغط سلبي لا معنى له سوى إملاء الإرادة . ولقد أباحت الشريعة الاسلامية للفتاة التي يُمارس الضغط الأسري عليها في الزواج بمن لا ترغب ، أن تتحلّل من عقد الزواج المكرهة عليه ، وأن تتزوّج مَنْ تختار ، ولا يحقّ لولي أمرها أباً كان أو جدّاً أو حتى أخاً أن يفرض عليها مَنْ لا تحب ، بل ويعتبر العقد في مثل هذه الحالات باطلاً . ومن ضغوط الأسرة أيضاً ، اختيار نوع العمل ، وهو مشكلة شبيهة بمشكلة اختيار الفرع الدراسي . فقد يميل الشاب أو الفتاة إلى ممارسة عمل يقع ضمن نطاق هوايتهما أو رغبتهما الخاصّة ، وقد تختلف أو تتقاطع رغبة الأب أو الأم مع رغبتهما ، مما يجعلهما ـ أي الوالدين ـ يمارسان شتى الضغوط النفسية والعاطفية عليهما من أجل التراجع عن العمل المرغوب والانخراط في عمل يفضلانه عليه . ونتائج مثل هذا الضغط كنتائج الضغط على اختيار الفرع الدراسي ، فقد يؤدي إلى فشل عمليّ وخسارة مادية ومعاناة نفسية وتوتر داخل المحيط العائلي ، ما لم يحسم الأمر لصالح الرغبة الذاتية . 2 ـ ضغوط العشيرة : وفي البلدان أو القرى والأرياف التي لا زالت كلمة العشيرة مسموعة فيها ، تتدخل أعراف وتقاليد العشيرة وربّما قناعاتها ، في التأثير على أبنائها وربّما الضغط عليهم في الاتجاه الذي لا يمثِّل قناعة الفرد ، مما يمثِّل الخروج عليها خروجاً على (القانون) العشائري وعصياناً وتمرّداً عليه . ومع أنّ بعض أعراف العشائر ليست مخالفة للشريعة ولا للعرف الاجتماعي الذي تسالم عليه الناس أ نّه من المعروف وليس من المنكر ، إلاّ أن كلمة الفصل في ذلك كلّه لما يقوله الشرع الاسلامي ، الأمر الذي يتطلب تعاملاً ذكيّاً محنّكاً مع أعراف العشيرة ونظامها الداخلي وضغوطاتها بما لا يخلق حالة من النزاع الداخلي بين أبنائها والقائمين عليها . 3 ـ ضغط العادات والتقاليد الموروثة : ليس الأمر مقتصراً على ضغوط العشيرة في المناطق الضيقة والمحدودة ، بل حتى في المجتمعات المدنية المفتوحة ، تجد أنّ هناك جملة من العادات والتقاليد التي توارثها أبناء المدن ، حتى أنّها صبغتهم بصبغتها وطبعتهم بطابعها ، ولكنها ـ في كل الأحوال ـ أخفّ درجة ووطأة من تلك الموجودة في القرى والأرياف والمدن الصغيرة . ويبدو ذلك واضحاً في المجتمعات التقليدية المحافظة التي تعتبر خروج أبنائها وفتياتها على بعض ما تعارفت عليه تنكّراً وتنصّلاً عن عاداتها وتقاليدها المخترعة أو المبتدعة ، مما يشكل عبئاً ضاغطاً على الشبان والفتيات ، فالسقوط تحت تأثيرها ـ لا سيما المتخلّف منها ـ سقوط لشخصية الشاب أو الفتاة ، وأنّ التحرر منها يحتاج إلى ثقافة عالية ، وجهد حثيث للتغيير ، وقدرة كبيرة على الإقناع ، والتعامل بحكمة . وكلّما اتّسعت دائرة الوعي تقلّصت دائرة التخلّف . 4 ـ ضغط الجماعة (الأصدقاء والرفاق) : وللأصدقاء تأثيرهم الواضح على الشاب أو الفتاة خاصّة في مرحلتي المراهقة والشباب ، لأ نّهم كثيراً ما يقعون تحت سلطة الجماعة وتأثيرها ، ويعتبرون الانتماء إليها والانقياد لأوامرها جزءاً مهماً من شخصياتهم . ولقد كشفت العديد من الدراسات الاجتماعية أنّ حالات الجنون والانحراف والعنف والسرقة وتعاطي الممنوعات كالمخدرات ، التي ارتكبها شبان أو فتيات ، إنّما كانت منطلقة من التأثير الجماعي على الجانحين . وتزداد خطورة الجماعة إذا كانت تمارس عملها من خلال حزب أو حركة أو منظمة أو جمعيّة أو حتى عصابة تسخِّر طاقات الشباب في مآرب دنيئة ، حتى ليصعب على المنتمين إليها ـ في أحيان كثيرة ـ الإفلات من قبضتها ، وحتى لو حاولوا فسيكونون عرضة للتشهير والتسقيط والاتهام وربّما القتل . ولذلك فالحذر كلّ الحذر من الانخراط في الجماعات المشبوهة ، أو المجهولة الدوافع والأهداف ، أو التي تضمّ أشخاصاً سيئي الصيت ، والتحقق والتثبّت من ذلك كلّه قبل الإقدام على خطوة الإنتماء ، وإذا لم يتيسّر ذلك شخصياً ، فبالإمكان التحري من أشخاص أكثر معرفة وتجربة ، وإلاّ فالخروج من بعض هذه التنظيمات المشبوهة سيكون كالخروج من فم التنين . 5 ـ ضغوط الحكومات المستبدّة : وهي أقوى وأشدّ من الضغوط السابقة ، لأ نّها ضغوط تُمارس من خلال أجهزة ومؤسسات وإدارات وشعارات وقرارات . وقد يتطلّب التخلّص منها أو تغييرها جهداً جماعياً ليس بمقدور الأفراد المعدودين ، مما يجعل الضغط في ظلّ هذه الحكومات عنيفاً ومن اتجاهات مختلفة، وقد يضطر الشاب أو الفتاة إلى الانصياع أو الانسياق للجوّ السياسي العام الضاغط ، أو الهروب خارج الوطن ، أو الدخول في دائرة المعارضة ، وفي كلّ حالة من هذه الحالات هناك ضغوط معيّنة تتفاوت شدّة وارتخاء ، وقوّة وضعفاً . 6 ـ ضغط الإعلام والإعلان والدعاية : فالإعلام اليوم سلطة ، وأيّة سلطة ؟! إنّه يدخل بيوتنا طائعاً مختاراً وبدون استئذان ، أو هكذا رحّبنا به في كلّ وقت ومن قبل الجميع ، فوجد له مكاناً في الصدارة . والإعلام يمارس سلطته عبر ضغوط فكرية ونفسية واجتماعية وسياسية وسلوكية كثيرة ، وبتخطيط حاذق لا يلبث المشاهد ـ خصوصاً العادي الذي لا ينطلق من خلفية ثقافية معيّنة ـ أن يجد نفسه واقعاً تحت سطوته منجرّاً معه إلى حيث ما يريد . ويتّضح ضغط الإعلام أيضاً من خلال أساليب وصنع الدعاية المركزة والإعلان المشوّق الجذّاب الذي يشغل مساحات واسعة من البث تكاد تفوق التركيز على موادّ البث الأساسية . والإعلان مبني أساساً على مخاطبة العقل الطفولي والغرائزي لدى الانسان المشاهد ، فكأ نّه يقوم بابتزازه علناً وجهاراً وهو راض ومبتسم . والحقيقة التي لا يعرفها بعض ضحايا الدعاية والإعلان ، أنّ الإعلانات في مجملها تخلق حاجات متصورة أو مصنوعة ، وتوحي للمشاهد أو المستمع أنّ خياره هو هذا (أي الشيء المعلن عنه) وهو في الواقع ليس خياره وإنّما خيار المنتج والمسوّق . 7 ـ ضغط الإشاعة : وهو ضغط تمارسه الأجهزة السياسية والأمنية والاقتصادية لإبتزاز المواطنين واثقال مشاعرهم بالخوف ، والهائهم عن القضايا الكبرى أو الأمور الحيوية ، حتى أنّ بعض الأنظمة تعمد إلى جعل المواطن في حالة طوارئ قصوى خوفاً من المجهول المرتقب الذي تتفنّن الإشاعة في تصويره أو التهديد به ، وربّما التنويم والتخدير به أيضاً . ولا بدّ للتخفيف من ضغط الإشاعة من دراسة طبيعتها من حيث مفرداتها ، ومقدار الحقيقة التي تتضمنها ، ومن الذين يروّجون لها ، وماذا تستهدف ، وماذا يمكن أن تسببه من آثار ومخاطر ، وإعلام المغرّرين أو المأخوذين بها بذلك كلّه ، حتى نخلق مصدّاً بوجه رياحها . 8 ـ ضغط الإغراء : ليس الإعلام وحده مَنْ يمارس الضغوط الإغرائية على شبابنا وفتياتنا ، ولا الدعاية والإعلان فقط ، وإنّما الشارع الذي تتحرّك فيه النساء والفتيات أنصاف عاريات ، أويتبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى من حيث إظهار الزينة وتنعيم الصوت والغنج وباقي مفردات الإغواء ، حتى لقد تحوّلت الأماكن العامّة إلى غرف نوم أو ما أشبه ذلك . فالإغراء سواء كان لشراء بضاعة معيّنة ، أو لإشعال غرائز الشبّان والفتيات، أو للدخول في منتديات أو مقاهي أو ملاهي معيّنة ، هو وسيلة ضغط كبيرة يتساقط على أعتابها الكثيرون . وكلّما خفت الرقابة الوالدية والمحاسبة البيتية ، وتضاعفت من الجهة الثانية وسائل الضغط الإغرائي التي تشجع عليها بعض الحكومات والأنظمة ، انفلتت الغرائز من عقالها ، وصعب لجمها وتعذّر ، لا سيما في أوساط الشبان والفتيات الذين لا يجدون سبيلاً إلى التعفّف أو الزواج عن طريق شرعيّ . لقد أريد ليوسف الشاب (عليه السلام) أن يقع ضحيّة هذا اللون من الإغراء في أجواء مشجّعة ومحفّزة وضاغطة يفوح الجنس من كلّ ركن فيها ، لكنّه أبى واستعصم وتعفّف والتجأ إلى ركن وثيق : (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنّه ربِّي أحسن مثواي إنّه لا يُفلح الظّالمون ) حتى قوله تعالى : (فاستجاب له ربُّه فصرف عنه كيدهنّ إنّه هو السّميع العليم ) . فقد تخاطبك نفسك ـ وهي أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي ـ أن تتحرّش بفتاة تمرّ من أمامك ، فتستجيب لأمرها وضغطها ، فتسمعها بعض الكلمات غير المؤدّبة . فإذا ما استجبتَ لنفس الطلب في حالة مشابهة وفي وقت لاحق ، فإنّك تكون قد ضخّمت ـ بإرادتك ـ حجم الضغط عليك ، ويمكنك التأكد من ذلك عند ما تجد أ نّك لا تستطيع رفض طلب النفس بالتحرّش بفتاة أخرى . ونفس الشيء يقال بالنسبة للفتاة المستجيبة لضغط التحرّش ، فإنّ سكوتها ، أو ابتسامتها ، أو التفاتتها ، هي ايضاً استجابة لضغط داخلي ، وإذا تكرّر ذلك منها فإنّها قد تقع تحت ضغط آسر لا تلبث أن تجد صعوبة بالغة في الخلاص أو الإنفلات من قبضته . 9 ـ ضغوط الحاجة : ونقول ضغوط لأ نّها ليست ضغطاً واحداً ، وإنّما هي متعددة تزداد بازدياد متطلبات الحياة العصرية المدنية المنفتحة على منتجات السوق العالمية أزياءً وسلعاً وبضائع وأفلاماً وتقنيات عصرية . فالكمالي اليوم قد تقلّص ، أو هكذا راحت أجهزة الدعاية والإعلان تصور ذلك . فكلّ شيء ضروريّ ، حتى غير الضروريّ ، فهم ـ كما مرّ معنا ـ يخلقون حاجات موهومة ، أو مفبركة تجعلك تشعر بضرورة تلبيتها ، وإلاّ كنت ناقصاً ، أو متخلّفاً عن الركب المتحضّر ، الأمر الذي دفع ـ للأسف الشديد ـ بعض الشبان المضغوطين بتلك الحاجات إلى اقتراف ، أو اتباع أساليب جنائية محرّمة للوصول إلى تلك الحاجات ، إمّا لتقليد الحائزين عليها ، أو مسايرة لوضع اجتماعي ومعيشي في قيمه واعتباراته المادية الدخيلة ، بحيث تعتبر السرقة شطارة والتحايل فتوة ودهاء أو لعدم المقدرة للحصول عليها بالطريق المشروع . أمّا في مدرسة الاسلام ، فالشاب الذي يعثر على لقطة ـ محفظة نقود أو غيرها ـ يبادر إلى الإعلان عنها وارجاعها إلى أصحابها ما تيسّر له ذلك ، وإلاّ تبرّع أو تصدّق بها عن صاحبها ، وبالتالي فكأنّ صاحبها لم يفقدها . في حين أنّ الشاب الذي لا يحمل مثل هذه الخلفيّة الثقافية الشرعية قد يتنازعه شعوران ضاغطان ، شعور تسليمها إلى صاحبها ، أو السؤال عنه ، وشعور الاستحواذ عليها . فإذا رجح الأوّل ، وهو كما قلنا لا يرجح إلاّ من خلال تربية سلوكية معيّنة ، فإنّ الضغط يكون قد ارتفع ، أمّا إذا ألحّ الشعور الآخر ، شعور الاستحواذ وأعانه على ذلك رفاق السوء الذين قد يسخرون من تسليمه اللُّقَطة ، أو التعريف بها ، لأ نّه ـ كما يحاولون تصوير ذلك ـ سيضيِّع فرصة ثمينة ، فإن ذلك سيشكل ضغطاً عليه في استبقائها والتصرّف بها على أنّها ملكه الخاصّ . ويصل ضغط الحاجة أحياناً إلى درجة الإذلال المهين ، فيمدّ الشاب يده للاستعطاء والاستجداء وربّما السرقة ، وهو قادر على أن يحصل على قوت يومه لو طلبه من حلال . وقد يذلّ نفسه مقابل أشياء حقيرة كلفّافة تبغ ، ومن هنا نفهم البعد البعيد للحديث الشريف : «لا ينبغي أن تكون للمؤمن حاجة تذلّه» لأ نّها تكون الضاغط الذي يلحّ عليه بالتلبية ، فينساق إلى تلبيته بأيّ ثمن حتى لو كان كرامته ! الضغوط الداخلية : وهي ـ في الغالب ـ ضغوط نفسيّة تنجم إمّا عن تنازع واصطراع بين ما يريده العقل وما تريده العاطفة . وإمّا عن التزاحم بين الأعمال والهوايات ، أو الإخفاق في تحقيق مسعى أو هدف معيّن ، أو العجز عن نيل درجة أو حاجة أو موقع معيّن . فكثيراً ما يعيش بعض المراهقين صراعاً غرائزياً حاداً بين ما تهواه نفوسهم وما تتحكم به عقولهم من ضرورة الصبر والتريث حتى يحين موعد النضج والقدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة الزوجية . وقد يصابون بضغوط نفسية شديدة نتيجة الفشل الدراسيّ ، أو مواجهة مشكلة معيّنة ، كأن يكون ضعيفاً في مادة دراسية ، وبدلاً من أن يصمّم على اجتياز هذه العقبة بمزيد من الدرس والفهم والاستيعاب والمواظبة وطلب المعونة ، تراه يعيش العقدة والكراهية لتلك المادة مما يجعله يعيش ضغطاً نفسياً يصل إلى درجة التأفّف والاختناق ، كلّما تذكّر أ نّه مطالب باجتيازها . أو تراه يرغب بالوصول إلى القمّة بسرعة خاطفة ، حتى إذا اصطدم بحقيقة صعود السلّم درجة درجة ، عانى من الضغط أو الألم النفسي المبرّح لأنّ غيره سبقه إلى القمّة وهو ما يزال على السفح ، من غير أن يدقّق النظر في أنّ الذين على القمّة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بطريقة الإزاحة أو التسلّق أو حرق المراحل ، وإنّما جدّوا واجتهدوا وزرعوا وحصدوا . وغالباً ما يكون التزاحم بين عملين ، لا تحسم الأرجحيّة لصالح أحدهما ، سبباً في الضغط النفسيّ ، فقد يخيّر التلميذ أو التلميذة نفسيهما بين مسؤولية الدراسة وأداء التكاليف المدرسية ، وبين مشاهدة فيلم جميل ، أو مباراة مهمّة ، وقد يقبلان على المشاهدة لكنّهما يجدان المتعة منغّصة وغير كاملة ، لأنّ الوقت يمضي والتكاليف تنتظر . وقد يقع التزاحم بين التلفاز والصلاة ، فيكون الضغط النفسي ناتجاً عن تأخير الصلاة ، والتقاعس عن أدائها في وقتها ، والشعور بأنّها أقلّ أهميّة من مادة تلفزيونية . وربّما يكون بين متطلبات الدراسة والرغبة في النزهة أو اللعب أو زيارة الأصدقاء ، أو إنجاز بعض المسؤوليات البيتية . إنّ حلّ هذه الأزمات الصغيرة ، أو تجاوز هذه الضغوط ـ أنّى كان حجمها ـ لهو بيد الشاب أو الفتاة نفسيهما . فتنظيم الوقت ، وترتيب سلّم الأولويات ، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، وتقديم ما لا يحتمل التأخير ، أو يكون في تأخيره خسارة معيّنة ، سوف يبدّد الكثير من الضغوطات الطارئة . ذلك أ نّك أحياناً قد تشعر بالانقباض النفسي ولا تدري سبباً لذلك ، ولو قمت بتحليل شعورك هذا لرأيت أنّ مكوّناته هي ضغط صغير هنا ، وضغط صغير هناك اجتمعا فضيّقا الخناق عليك . وقد تأتي الضغوط الداخلية من جرّاء الضجر والرتابة والملل ، ولذا فإنّ التغيير الايجابي البسيط ربّما يحوّل سمفونية حياتك الرتيبة إلى نغمات عذبة ودافئة ومسلية . حاول ـ مثلاً ـ تغيير الشارع الذي تسير فيه إلى مدرستك أو عملك ، أو غيِّر طريق العودة منهما ، استبدل قميصاً بآخر وليس من الضروري أن تشتري جديداً ، استبدلي العطر الذي تستعملينه ، أو تسريحة شعرك . وربّما كان زيارة لصديق أو نزهة في حديقة ، أو قراءة في كتاب تميل إلى الاستزادة في موضوعه ، وغير ذلك مما يتفنّن كلّ شاب وفتاة ، ففي الحديث : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيّروا لها طرائف الحكمة» . والمراد بـ (طرائف الحكمة) كل ما هو جديد ، أو فيه مسحة أو نفحة من التجديد ، ذلك أنّ «لكلّ جديد لذّة» حتى لو كان التجديد في تغيير مكان الطاولة من الزاوية التي تقبع فيها . إنّ زيارة الصديق المخلص الثقة الذي تحبّه ويحبّك وتشتاق له ويشتاق إليك ، وترتاح له ويرتاح إليك ، لا سيما إذا كان مؤمناً محبّاً للخير ودوداً ، من أهم أساليب الترويح عن النفس ، والتخفيف من الضغوطات المتراكمة عليها ، علاوة على ما فيها من قربة لله ولرسوله | |
|