Admin Admin
عدد الرسائل : 137 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 08/03/2007
| موضوع: سر التعليم في اليابان 2 الجمعة مارس 16, 2007 6:20 pm | |
| سر التعليم في اليابان 2 المركزية واللامركزية في التعليم:
تتميز اليابان بشكل عام بمركزية التعليم، أو نستطيع القول أن نظام تعليمها يغلب عليه طابع المركزية. ومن إيجابيات هذا المبدأ في التعليم توفير المساواة في التعليم ونوعيته لمختلف فئات الشعب على مستوى الدولة بغض النظر عن المقاطعة أو المحافظة التي وُلد فيها التلميذ أو الطالب، وبذلك يتم تزويد كل طفل بأساس معرفي واحد سواء كان في شمال اليابان أو جنوبها أو وسطها وبغض النظر عن الحالة الاقتصادية لهذه المنطقة، حيث تُقرر وزارة التعليم اليابانية الإطار العام للمقررات الدراسية في المواد كافة بل ويُفصَّل محتوى ومنهج كل مادة وعدد ساعات تدريسها، وبذلك يتم ضمان تدريس منهج واحد لكل فرد في الشعب في أي مدرسة وفي الوقت المحدد له. وعادة لا توجد اختلافات جوهرية تذكر بين المدارس في مختلف مناطق اليابان وكلها تتمتع بمستوى متجانس عال مع التفاوت في نوع التفوق فقط. والوزارة مسؤولة عن التخطيط لتطوير العملية التعليمية على مستوى اليابان، كما تقوم بإدارة العديد من المؤسسات التربوية بما فيها الجامعات والكليات المتوسطة والفنية. ومن المعروف أن المدارس في اليابان هي التي قامت بغرس المعرفة التي ساعدت اليابان على التحول من دولة إقطاعية إلى دولة حديثة بعد عصر «ميْجى Meiji" (1868 - 1912م)، وكذلك تحول اليابان من دولة مُنْهكة تتلقى المساعدات بعد الحرب العالمية الثانية إلى دولة اقتصادية كبرى تُقدم المساعدات لمختلف الدول النامية في العالم.
ولكن في الحقيقية لا يعني ذلك أن مركزية التعليم مطلقة في اليابان فهناك قسط أيضًا من اللامركزية حيث يوجد في كل مقاطعة من مقاطعات اليابان مجلس تعليم خاص بها، ويعتبر السلطة المسؤولة عن التعليم وإدارته وتنفيذه في هذه المقاطعة. ويتكون مجلس التعليم من خمسة أعضاء يعيّنهم رئيس المقاطعة أو المحافظ بموافقة مجلس الحكم المحلي الذي يتم تعيين أعضائه بما فيهم رئيس المقاطعة من قِبَل سكان المقاطعة. ويقوم هذا المجلس باختيار الكتب المناسبة لمقاطعته من بين الكتب المقررة التي عادة ما يقوم القطاع الخاص بطباعتها، ولكن بالطبع بعد الحصول على موافقة من وزارة التعليم عليها. ويقوم هذا المجلس أيضًا بإدارة شؤون العاملين بما في ذلك تعيين ونقل المعلمين من مدرسة لأخرى، كما يقوم بالإشراف على مؤسسات التعليم الإقليمية وتقديم النصح لها.
كما أن المعلمين بالرغم من المركزية في الإشراف عليهم، إلا أنهم يتمتعون أيضًا بقسط من الحرية بصفتهم من هيئة صُناع القرار بالمدرسة وعلى رأسهم مدير المدرسة. وهم يجتمعون في ربيع كل عام لمناقشة وتقرير الأغراض التربوية للمدرسة، والتخطيط لجدول النشاط المدرسي لتحقيق تلك الأغراض التربوية وإعداد ذلك في كتيب كل عام. كما يقوم المعلمون كذلك بعقد حلقات بحث أو «سيمنار» كل ثلاثة أشهر لإلقاء البحوث والنقاش حول نظريات التعلم ومشاكل العملية التعليمية. وهم يقومون بإدارة مدارسهم دون ضغط ملزم من جانب الوزارة وذلك تحت ظل سلطة اتحادهم. ولذلك يشعر المعلمون في اليابان بأهميتهم في صنع القرار لأنهم ليسوا مجرد موظفين تابعين لوزارة التعليم.
ويبدو أن مبدأ التمازج والتوازن بين المركزية واللامركزية يتلاءم مع نظام التعليم الياباني، ويعكس طبيعة التفكير اليابانية في المزج بين الثقافات والقديم والجديد. فالمركزية كانت موجودة قبل فرض قوات الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية مبدأ اللامركزية وغيرها من الإصلاحات على نظام التعليم في اليابان بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. ولكن بعد أن استعادت اليابان سيادتها في عام 1952م، قامت بإلغاء بعض الإصلاحات التي فُرضت عليها ولم تكن مناسبة لها ومنها مبدأ اللامركزية.
روح الجماعة والعمل الجماعي والنظام والمسؤولية:
يركز النظام الياباني للتعليم على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى التلاميذ والطلاب تجاه المجتمع بادئًا بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، مثل المحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسي وغير ذلك. فمن المعروف عن المدارس اليابانية المحافظة على نظافة المدرسة، فأول شيء يُدهش زائر المدرسة اليابانية، وجود أحذية رياضية خفيفة عند مدخل المبنى المدرسي مرتبة في خزانة أو أرفف خشبية يحمل كل حذاء اسم صاحبه، حيث يجب أن يخلع التلاميذ أحذيتهم العادية وارتداء هذه الأحذية الخفيفة النظيفة داخل مبنى المدرسة. وهذه العادة موجودة في معظم المدارس الابتدائية والمتوسطة وكثير من المدارس الثانوية أيضًا. ومن الشائع في المدارس اليابانية أيضًا، أن يقوم التلميذ عند نهاية اليوم الدراسي بكنس وتنظيف القاعات الدراسية بل وكنس ومسح الممرات بقطع قماش مبللة. بل والأكثر من ذلك غسل دورات المياه وجمع أوراق الشجر المتساقط في فناء المدرسة وكذلك القمامة إذا وجدت!. وكثيرًا ما ينضم إليهم المدرسون في أوقات معينة لإجراء نظافة عامة سواء للمدرسة أو للأماكن العامة أيضًا مثل الحدائق العامة والشواطئ في العطلة الصيفية، وذلك بدون الشعور بالنقص والمهانة؛ سواء من التلاميذ أو المعلمين. بالإضافة إلى ذلك يقوم الأطفال بتقديم الطعام للحيوانات أو الطيور التي تقوم المدرسة بتربيتها حيث إنه لا توجد شخصية «الحارس» أو «الحاجب» في المدارس اليابانية ولا يوجد عمال نظافة، ولذا يأخذ التلاميذ والطلاب والمعلمون على عاتقهم تنظيف المدرسة وتجميل مظهرها الداخلي والخارجي، بل يمتد هذا النشاط إلى البيئة المحيطة بالمدرسة أيضًا وذلك بتعاون الجميع وفي أوقات منتظمة ومحددة.
ويتضح أوج هذه المسؤولية وروح الجماعة والتعاون والاعتماد على النفس عند تناول وجبة الطعام في المدرسة. فمن المعروف أنه لا يوجد كافتيريات ولا مقاصف في المدارس اليابانية، ولكن يوجد مطبخ به أستاذة تغذية وعدد من الطاهيات حيث يتناول التلاميذ وجبات مطهية طازجة تُطهى يوميًا بالمدرسة. ويقوم التلاميذ بتقسيم أنفسهم إلى مجموعات إحداها تقوم بتهيئة القاعة الدراسية لتناول الطعام، وثانية مثلاً تقوم بإحضار الطعام من المطبخ، وثالثة تقوم بتوزيع هذا الطعام على التلاميذ بعد ارتداء قبعات وأقنعة وملابس خاصة لذلك. وهذا بلا شك يؤكد الإحساس بالمسؤولية وروح الجماعة والاعتماد على النفس والانتماء إلى المدرسة والمجتمع، كما يوفر من ناحية أخرى ميزانية كان يُفترض أن تُرصد لهذه الخدمات.
وتتجلى هذه الروح أيضًا ليس فقط في مجموعات العمل الخاصة بالطعام والنظافة، بل في المجموعات الدراسية التي يقوم بتكوينها المدرس عندما يطلب من التلاميذ أو الطلاب الإجابة عن بعض الأسئلة أو حل مسألة مثلاً في الرياضيات أو إنجاز بعض الأعمال أو الأنشطة للفصل، وبعد المشاورات الجماعية بينهم يعلن واحد من هذه المجموعة باسمها الانتهاء من هذه المهمة. على أن يعاد تشكيل هذه المجموعات من فترة لأخرى أو حسب ما تحتاج الضرورة من وقت لآخر حتى لا تتكون أحزاب أو تكتلات داخل الفصل. وهذا النظام لا يعوّد التلاميذ الروح الجماعية فحسب، بل القيادة التي تتجلى أيضًا في تعيين شخصية مراقب الفصل أو رائده والذي يقوم في وقت غياب المدرس بتهيئة الفصل وتنظيمه وحل مشكلاته بما فيها مشاكل التلاميذ بين بعضهم بعضًا. ثم أخيرًا في نهاية اليوم الدراسي يقوم التلاميذ بعقد جلسة جماعية حيث يجتمعون ويسألون أنفسهم فيما إذا كانوا قد أتموا عملهم اليوم على أكمل وجه أم لا ؟ أم أن هناك قصورًا فيما قاموا به من أعمال ؟ أو هل كانت هناك مشاكل ما ؟ وبلا شك إن هذه الطريقة في التعليم تستهدف روح الجماعة وتحمُّل المسؤولية والالتزام والقيادة، كما تشكل أيضًا قوة نفسية رادعة لكبح جماح السلوكيات الاجتماعية غير اللائقة تجاه المجتمع والغير.
الجد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء:
يُركز اليابانيون على مبدأ « الجد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء الفطري للطفل « وهو على عكس ما هو معروف في الولايات المتحدة وكثير من الدول، ويتضح ذلك أيضًا من كثرة استخدامهم كثيرًا للكلمات التي تدل على الاجتهاد والمثابرة باللغة اليابانية مثل كلمة «سأبذل قصارى جهدي» (ganbarimasu)، «سأعمل بكل جدية»، (isshookenmei yarimasu ). فالطلاب اليابانيون يؤمنون بنصح مدرسيهم وآبائهم بأن النجاح بل والتفوق يمكن أن يتحقق بالاجتهاد وبذل الجهد وليس بالذكاء فقط، فالجميع سواسية وخلقوا بقدر من الذكاء يكفيهم. فكل شخص يستطيع استيعاب ودراسة أي شيء وفي أي مجال وتحقيق قدر كبير من النجاح فيه من خلال بذل الجهد. ولذلك يستطيع الطالب أن يدرس أي مقرر دراسي حتى ولو كان لا يتناسب مع ميوله طالما توفرت العزيمة على بذل الجهد والمثابرة. فالنجاح والتفوق لا يتحددان باختلاف الموهبة والذكاء ولكن بالاختلاف في بذل الجهد.
ويُعتبر الطلاب اليابانيون من أكثر الطلاب في العالم إقبالاً على الدراسة، لأنهم تعلموا أن السبيل للوصول إلى وظيفة مرموقة هو الاجتهاد وبذل الجهد والمثابرة للقبول بمدرسة ثانوية مرموقة ومميزة ومن ثم جامعة مرموقة أيضًا. فيجب على الطلاب خريجي المدارس المتوسطة اجتياز اختبارات صعبة للالتحاق بالمدرسة الثانوية ثم بعد ذلك الجامعة التي يقع اختيارهم عليها، حيث إن دخول المدارس الثانوية والجامعة يتوقف في المقام الأول على نتائج هذه الاختبارات وليس فقط نتائج اختبارات المدارس المتوسطة أو الثانوية. ومن المعروف عن الطلاب اليابانيين بذل الجهد والاستعداد جيدًا لاجتياز هذه الاختبارات، يساعدهم في ذلك الأسرة أيضًا بتوفير الظروف المريحة لاستذكار دروسهم. كما يوجد الكثير من الطلاب ممن يلتحقون بمدارس تمهيدية أهلية تختص بإعدادهم لاجتياز هذه الاختبارات. وتبعًا لإحصائية لوزارة التربية والتعليم اليابانية، يوجد حوالي مليون ونصف طالب ابتدائي، ومليونى طالب مرحلة متوسطة يدرسون في هذه المدارس التمهيدية بعد نهاية اليوم الدراسي بمدارسهم النظامية لإعداد أنفسهم لاجتياز اختبارات القبول بالمدارس الثانوية. ومن الطريف أن يؤدي الطالب اختبارًا للالتحاق بهذه المدارس التمهيدية أيضًا ! ولذلك فإن رحلة الكفاح الدراسية للطالب الياباني كلها جد ومثابرة ومشقة إلى أن يستطيع الحصول على القبول بالمدرسة الثانوية ثم الجامعة التي يختارها. وليس من الغريب أن يؤدي الطالب اختبار القبول بالمدرسة الثانوية أو الجامعة لاحقًا في أكثر من مدرسة أو جامعة في وقت واحد حتى يتسنى له القبول بإحدى المدارس أو الجامعات التي وضعها مرتبة حسب رغباته. ومن النادر حقًا أن يرسب طالب في هذه الاختبارات، ولكن لأن المنافسة شديدة خصوصًا على الجامعات المرموقة المعروفة والتي تطلب عددًا معينًا فقط من المتقدمين حسب طاقتها الاستيعابية، فليس من الغريب أيضًا أن نجد طلابًا بعد فشلهم في القبول بالجامعة التي يرغبونها كرغبة أولى، يدرسون عامًا أو عامين في مدرسة تمهيدية للاستعداد لمحاولة القبول بنفس الجامعة مرة أخرى بالرغم من أنه يستطيع دخول جامعة أخرى ولكنها أقل درجة من التي اختارها. وهذا يؤكد مدى المثابرة والجد في تحقيق ما يصبو إليه الطالب. ويؤكد أيضًا المقولة اليابانية الشهيرة «أربع ساعات نجاح، خمس ساعات رسوب» أي «أربع ساعات نوم تعني النجاح بينما خمس ساعات نوم تعني الرسوب» أي لتحقيق النجاح لا ينبغي النوم أكثر من أربع ساعات في اليوم!
وفي الحقيقة هذا التكالب على الجامعات الكبرى وبخاصة الوطنية منها، يرجع إلى أن القبول بإحدى هذه الجامعات يؤمّن مستقبل الطالب في الحصول على وظيفة مرموقة. فمن المعروف مثلاً أن جامعة «طوكيو» تقوم بتخريج رجال الوظائف البيروقراطية العليا، وجامعة «واسيدا - waseda» تقوم بتخريج السياسيين والصحفيين، وجامعة «كيْيو - keiyoo» تقوم بتخريج رجال الأعمال التنفيذيين وهكذا. ولذلك فقبول الطالب في إحدى هذه الجامعات الكبرى يحدد مسار مستقبله بعد تخرجه. ومن المعتاد أيضًا أن يلتحق خريجو هذه الجامعات بالشركات الكبرى والهيئات الحكومية التي توفر لهؤلاء الشباب مزيدًا من التدريب في مجال عملهم وذلك بإرسالهم في بعثات خارجية أو داخلية لمزيد من الدراسة في مجالات معينة تتعلق بمجال العمل. ولكن بلا شك إن هذا النظام في القبول والذي يُعرف بـ «جحيم الاختبارات» يمثل الفزع الأكبر للطلاب وقمة التوتر النفسي الذي يؤدي في بعض الأحوال إلى انتحار بعض الطلاب لعدم تمكنهم من الالتحاق بالجامعة التي يرغبونها. | |
|