Admin Admin
عدد الرسائل : 137 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 08/03/2007
| موضوع: من أين يأتي الإبداع؟ الجمعة مارس 16, 2007 8:35 pm | |
| من أين يأتي الإبداع؟
ـ ليس للإبداع مصدر أو طريق واحد يأتي منه .. إنّها روافد متعددة تصبّ في مجرى أو نهر واحد يسمّى (الإبداع). ولذلك فنحن لا نستطيع حصر تلك المصادر بنقاط معيّنة، فقد تختلف من مبدع إلى مبدع آخر، ولكن هناك مشتركات أو مصادر أساسية، يمكن أن نشير إليها فيما يلي: 1 ـ اللبنات الأولى: فقد تظهر ملامح الإبداع في شخصية الطفل في أسئلته المذهلة، والدالّة على حجم عقله، أو في قدرته على إجادة صنع وتركيب بعض الألعاب، والتفنن في استحداث طرق متنوّعة لصناعة دُماه وألعابه، وفي سرعة التقاطه للتعليمات، والدقّة في التنفيذ، وإتقان ما يراد منه. 2 ـ الحسّ الإبداعيّ: وهو ما يطلق عليه بـ (الحس المرهف) فليس الشاعر أو الأديب أو الفنان هو وحده الذي يمتلك هذا النوع من الإحساس، فحتى العالم الفيزيائي أو الكيميائي أو الرياضي أو المعلّم أو المهندس أو أي حرفي نجاراً كان، أو حداداً، أو صائغاً، أو خيّاطاً، أو فلاّحاً، لديه درجات من هذا الإحساس الفني القادر على التعامل مع الحرفة بشكل غير تقليدي. فحتى تكون مبدعاً تلمّس هذا الحسّ في داخلك وغذّه بالتمرين الدائب والممارسة الطويلة. 3 ـ التأمّل: ما من مبدع إلاّ ولديه خلوات فكرية .. وتحليقات ذهنية .. ونظرات عميقة في المسائل التي يمرّ عليها الناس مرور الكرام .. ففي كل شيء بالنسبة للمبدع مادة للدرس والتأمّل والتعمّق وسبر الأغوار. والتأمّل هو حالة التفكّر في أيّ شيء، وإمعان النظر فيه حتى تتجلى روائعه .. انظر إلى القرآن كيف يعلِّمنا أن نتأمّل في كل المخلوقات صغيرها وكبيرها. من (الذبابة) و (البعوضة) إلى (الشمس) و (القمر) والكواكب والأجرام السماوية الأخرى: (ويتفكّرون في خلق السّموات والأرض، ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) (آل عمران/ 191). إنّ النتيجة التي يتوصل إليها المبدع المتأمّل ـ وبإمكانك أن تجرِّب ذلك شخصياً ـ هو أنّه سيهتدي إلى (جمالات)( ) لم تكن تخطر على بال غيره. 4 ـ الربط بين الأشياء: الأشياء من حولنا عوالم وآفاق .. وهي متصلة وليست منفصلة عن بعضها البعض وإن بدت ـ في الظاهر ـ كذلك .. وحدهم المبدعون الذين يلتفتون إلى العلاقات الكامنة في تلك الأشياء، والتي تربط بعضها ببعض بخيط سريّ تكون مهمة المبدع تلمسه واكتشافه وإعادة تركيبه. إنّ الذي استخلص من البخار المتصاعد من الماء المغلي الذي يرفع غطاء القدر بيد خفيّة، كان قد ربط بين (قوة البخار) وبين (توليد الحركة). وهكذا اهتدى من هذه الفكرة الصغيرة إلى الإبداع الكبير .. القطار. 5 ـ تحليل الأشياء: وهذه قدرة معاكسة لقوة وقدرة المبدع على (الربط). فالتحليل يتطلّب أن تعيد الشكل المركب إلى شكله الأوليّ .. وإلى تفاصيله ومفرداته لتدرس من خلال ذلك العمل الوظيفي لكل قطعة من قطع ذلك الشيء أو المخلوق أو الجهاز .. ولذلك يقال أنّ الطفل الذي يكسر لعبته يريد ـ أحياناً ـ أن يكتشف تركيبها أو عالمها الداخلي .. وهو بذلك .. مشروع مبدع! 6 ـ الخيال: لكلّ منّا قدرته الواسعة على التخيّل .. تلك نعمة الله التي آتاها عباده، لا ليخفف عنهم الآلام فقط بتخيّل واقع أفضل، بل بدفعهم إلى تنشيط القدرة الخيالية لإنتاج إبداعات حقيقية كانت ذات يوم جنيناً في رحم الخيال. وقد تقرأ أنّ الكثير من الإنجازات والإبداعات كانت حلماً أو خيالاً ثمّ تحوّلت تحت ارادة وتصميم المبدع إلى حقائق تتجسّم أو تمشي على الأرض. إنّ المهندس المعماريّ الذي أنشأ أو صمّم هذا المبنى الجميل الرائع الذي يدهشك وأنت تتأمّله .. كان قد صمّم المبنى أولاً على لوحة خياله، ثمّ سكبه على الورق مخططاً هندسياً .. ثمّ عمد إلى إنزاله إلى الواقع مبنى شاخصاً يمثل تحفة فنيّة ومعمارية تسرّ الناظرين. إذا كنت مبدعاً .. أو تطمح إلى أن تكون مبدعاً .. فلا تهمل خيالاتك .. إنّها جزء من رأس المال .. والمعين الذي تستقي منه .. إنّها مصدر مهم من مصادر إبداعك. 7 ـ روح المغامرة: المبدع جريء وغير هيّاب .. يقتحم المجالات الجديدة بأقدام ثابتة .. هو يعلم أنّ المبادرة أو المغامرة قد تكلّفه باهضاً، لكنّ الثمن الذي يقبضه من نجاح مخاطراته أو مغامراته كبير .. إنّه لا يستسلم لما نُسمِّيه بـ (الأمر الواقع) ولا يرضخ للأعمال الهيِّنة التي لا تطلب جهداً فائقاً، ولا يخشى الدخول في مغامرة قد تجلب له كلاماً جارحاً من الراكدين المتثائبين التقليديين .. إنّه مَن يعلِّق الجرس في رقبة القطّ، ولذلك أصبح مبدعاً! 8 ـ طرح الأسئلة: المبدعون كثيرو السؤال .. أسئلتهم لا تهدأ .. يطرحون أسئلة عن كلّ شيء .. فالأسئلة بالنسبة للمبدع مفاتيح الأبواب المغلقة .. منها يمكنه الدخول على العوالم التي لم تفتح من قبل .. وقد يقضي المبدع وقتاً طويلاً حتى يصل إلى جواب سؤال يشغله .. وقد لا يهتدي إليه إلاّ بعد رحلة عناء فكري وعملي طويلة. فالاختراعات .. تبدأ بالأسئلة. والاكتشافات .. تنطلق من الأسئلة. والعلوم والتجارب والنظريات والأساليب الحديثة .. كلّها كانت أسئلة في البداية. سُئِل (رابي) الحائز على جائزة نوبل في العلوم، لماذا اختار أن يكون فيزيائياً فكان ردّه أنّ أمّه كانت تسأله كلّ يوم عند عودته من المدرسة عن الأسئلة الجديدة التي سألها في يومه! وكان الفيلسوف اليوناني الشهير (سقراط) يعلِّم تلامذته أيّة مهارة علمية عن طريق طرح الأسئلة .. إنّ أسئلة المبدعين تتراوح بين: ـ (الأسئلة الاحتمالية) .. ماذا يحدث لو .. ؟ ـ (الأسئلة الافتراضية) .. لو عملنا كذا .. ماذا يحصل أو ينتج؟ ـ (الأسئلة التخمينية) .. من قبيل .. أرجِّح هذا الأمر .. أقدِّر أن ذلك ناتج عن .. أظنّ أنّنا لو عملنا ذلك فلربّما انتهينا إلى النتيجة التي نريد .. ـ (الأسئلة التشكيكية) .. مثل: مَن يقول إن هذا هو الصحيح؟ مَن يدري فقد لا يكون هذا هو الحل .. ـ (الأسئلة الترابطية أو التركيبية): كيف يحصل هذا؟ وما علاقته بكذا، وإذا حصل فماذا يمكن أن يكون الناتج؟ وإذا أضفنا إلى ذلك ما يلي .. فماذا يمكن أن نجني؟ ولو نزعنا أو سلخنا منه كذا، فما هي المحصلة؟ وما إلى ذلك. ـ (الأسئلة السببية) .. وهي المتعلقة بالإجابة على سؤال (لماذا)؟ ـ (الأسئلة الماهية) .. وهي المتعلقة بالإجابة على سؤال (كيف)؟ وبالجملة، فإنّ الأسئلة المثيرة التي تستثير التفكير وتتسلسل به إلى النتائج، هو ما يشغل بال المبدعين .. وقديماً قيل: «العلم صناديق مقفلة مفاتيحها الأسئلة». فإذا كنت سؤولاً .. أي كثير الأسئلة .. وأسئلتك ليست من النوع الترفيّ فأنت مبدع، والبحث عن إجابات لتلك الأسئلة سيتيح لك قدراً أكبر من الإبداع. 9 ـ تعدّد الحلول والبدائل والخيارات: لا يكتفي الانسان المبدع بتقديم حلّ واحد للمشكلة أو المسألة .. إنّه يأتي بعدد من الحلول، ويُقدِّم الكثير من البدائل والخيارات، وهذا ما يطلق عليه من الناحية العلمية بـ (الطلاقة)( ). وقد تكون بعض حلوله وبدائله مبتدعة، أي أنّه يشير إلى حلول غير روتينية، أي لم تطرح من قبل .. نعم، كانت ممكنة وموجودة ولم يكن يلتفت إليها إلاّ عقل المبدع الذي يتحرك ـ كما في رقعة الشطرنج ـ على أكثر من مربّع وفي أكثر من بُعد واتِّجاه. 10 ـ الدراسة المقارنة: فالمبدع كثيراً ما يستعين بمعرفة نقاط ودرجات التشابه، ونقاط ودرجات الاختلاف، ليصوغ من المتشابهات شكلاً جديداً للسياق الموجود بينها فهو يمزج ويخلط ويطعّم ويركّب، ومن المختلفات ينشئ هيئة مغايرة لم تخطر على بال، وإذا به يدهشنا كيف لم ننتبه إلى أن بين المختلفات علاقة، أو قدرة على التآلف والانسجام .. لا يتاح اكتشافها لغير المبدعين. 11 ـ المبدع يستخدم كلّ حواسه: المعروف ـ علمياً ـ أنّ حاستي (السمع) و (البصر) هما من أهم الحواس التي يستخدمها الانسان وصولاً إلى المعرفة. المبدع أيضاً يستخدم سمعه وبصره لاكتشاف العالم من حوله .. أو لنقل العوالم المحيطة به .. فهو يسمع أكثر مما نسمع، ويرى أكثر مما نرى لا لاختلاف أو تمايز في الخلقة، فله عينان ولنا عينان، وله أذنان ولنا أذنان، لكن عين المبدع حساسة تلتقط حتى الجزئيات، وسمعه مرهف بحيث يستمع لأدق وأدنى الإشارات .. تلك ليست بمعجزة .. ذلك هو التمرين والتدريب، والاستخدام الذكي للحواس بأقصى طاقاتها. بل إنّ المبدع يستخدم حواسه الأخرى أيضاً في التعامل مع المعارف والخبرات والإبداعات الجديدة. يقول (هادرد جاردنز) صاحب نظرية (الذكاء المتعدِّد): «إنّ الذكاء ليس أحادياً، والفرق بين الأفراد ليس في مقدار أو درجة الذكاء بل بنوعيّته» وهذا يعني أنّ (النوعية) تأتي بالمران والممارسة والتدريب العالي. 12 ـ دراسة إبداعات المبدعين: لا يستغني المبدع عن الاطلاع ومتابعة ما يجري في عالم الإبداع. سواء في حقلة التخصصي .. أو فيما سواه من حقول .. فالإبداع ليس إقطاعيات منفصلة، بل يتنافذ على بعضه البعض. إنّ أصحاب المصانع والشركات الكبرى يستعينون في الترويج لبضائعهم بالمهندس الفني، كما يستعينون بالرسام والفنان والأديب لإنتاج صناعات فيها من الذوق والجمالية مثل ما فيها من الدقّة والتطور التقنيّ. فإذا أردت أن تبرع أو تبدع في مجال ما، فحاول أن تدرس نتاجات المبدعين السابقين والمعاصرين لتقليدهم ابتداءً، ولمعرفة أسرار إبداعهم، تمهيداً لأن تختط لك طريقاً إبداعياً خاصّاً يمثِّل شخصيتك المبدعة واستقلالك الفذ. | |
|